Philosophie Philosophie

كيف يمكن اثبات هذا الراي القائل بان الحرية تكتسب بالعلم و العمل


طرح المشكلة
تعتبر مسالة الحرية من اقدم و اهم القضايا الفلسفية التي تناولها الفلاسفة و المفكرون عبر العصور، اذ تعرف بانها قدرة المرء على الاختيار بين ممكنين او اكثر مع الوعي بالاسباب و النتائج دون اكراه او ضغط خارجي.
الفكرة الشائعة : و قد ساد اعتقاد لدى العديد من الفلاسفة و المفكرين خاصة العقلانيين منهم بان الحرية عبارة عن ملكة و قدرة فطرية تولد مع الانسان و توجد بوجوده، اي انها معطى جاهز على الفعل وفقا لارادة الانسان الداخلية
النقيض : الا ان هناك فكرة تناقضها ترى ان الحرية قدرة مكتسبة يمتلكها الانسان بمرور الوقت عن طريق مجهود و كد متواصل في صراعه الازلي مع الطبيعة
فاذا كان هذا الطرح صحيحا فكيف يمكن اثبات هذا الراي القائل بان الحرية تكتسب بالعلم و العمل و الاجتهاد؟
محاولة حل المشكلة :
عرض منطق الاطروحة: يرى العديد من الفلاسفة و المفكرين امثال اارواقيين و ابيقور و كارل ماركس ان الحرية عبارة عن مكسب نتحصل عليه و نضفر به عن طريق بذل مجهود و سعي مستمر من اجل مزيد من الحرية. مما يجعلها قدرة مكتسبة نسبية تزداد طرديا مع مدى وعينا و جهدنا و كشفنا لاسرار الطبيعة و الوجود
البرهنة : فالانسان لا يولد حرا كما يتوهم. بل ياتي هذا الوجود و هو محاط بمجموعة مختلفة من الضرورات و الحتميات التي تقيد سلوكه. بعضها بيولوجي و الاخر اجتماعي. و الاخر نفسي. او فيزيائي. و هذه الحتميات تحاصره و تقييد سلوكه. و لكن باعتباره كائن عاقل و مفكر فانه يستطيع كسر هذه القيود و تجاوز مختلف الحتميات. و تحويلها لصالحه.. فياخذ مصيره بيده على حد قول فردريك نيتشه. و ذلك من خلال العلم و المعرفة
حيث تؤكد المدرسة الرواقية اليونانية ان الانسان يمكنه التحرر من سيطرة الحتميات بواسطة العمل و بذل الجهد و السعي الدائم لفهم و تفسير الظواهر الطبيعة و تحويلها لصالحه
فالكد و الجهد المتواصل يسمح باكتساب مزيد من الحرية. فتصبح عملية بناء متجدد و دائم لدائرة حريتنا و خياراتنا
و هذا ما يوكد عليه كذلك ابيقور من خلال تاكيده ان الحرية و السعادة تكمن في ان نعيش في وفاق مع الطبيعة و نتحرر من سيطرة الخرافات و الأوهام المنسوجة حول الطبيعة و القوى الخارقة التي تهدد الانسان و تعاقبه. فبواسطة العلم و المعرفة تتكشف الحقيقة و يتخلص الانسان من خوفه من الالهة الاسطورية و غضبها و عقابها. و يمكنه العيش في انسجام و تناغم مع الطبيعة اذا ما فهم قوانينها... فمثلا عندما نفهم قانون حصول البرق نعلم انه ظاهرة طبيعية متعلقة بالتقاء الشحنات الموجية مع السالبة.. يمكننا التخلص من الخوف منها او تخيلها كائن يصرخ في السماء
و يمكن الاستفادة من البرق كطاقة ايجابية مفيدة للبشرية
و في الفكر الحديث و المعاصر نجد الفيلسوف الالماني فردريك هيغل يوكد على امكانية التحرر من خلال فهم الحتميات و بلوغ الفكرة المطلقة و هو ما عبر عنه في جدلية السيد و العبد. فالعبد يتحرر من خلال العمل و احتكاكه بالطبيعة فيعرف قوانينها و يزداد معرفة فيتحرر من سيطرةسيده اما السيد فيصبح عبدا لعبده و للطبيعة فتتبادل الادوار و هكذا يستمر الصراع
لذلك يقول هيغل : الحرية هي معرفة الحتمية
و ان كان تصور هيغل مثالي فاننا نجد التصور المادي الجدلي عند كارل ماركس الذي يرى ان تحرر الانسان يكون ننيجة جهد و علم حقيقي في الحياة. فبفضل العلوم التجريبية تمكنا من كشف حقائق الطبيعة و تحويلها إلى صالحنا. اما في الحياة الاجتماعية فقد دعى عمال العالم للتحرر من سيطرة الطبقة البرجوازية اي الاقلية التي تهيمن على العامة. فهذه العبودية يزول فقط من خلال فهم قوانين تطور التاريخ و المجتمع. و الوعي التاريخي بامكانية تقرير المصير. فالفقر و الرضوخ و الاستغلال ليس قدرا محتوما بل يمكن التخلص منه عن طريق الثورة على الواقع و تغييره
و منه فالحرية ليست معطى جاهر بل لابد من الكد و الجهد و اعمال العقل للضفر بها
الدفاع عن الاطروحة بحجج شخصية : التجرية الواقعية توكد ان الانسان منذ صغره يسعى إلى معرفة خصائص الاشياء و ذلك للتخلص من اخطر قيد و هو الجهل.. فالانسان يولد جاهلا و هذا دليل كاف على انه مقيد و لكن بفضل العقل يمكنه ان يتخلص منه و يخرج من دائرة الجهل إلى دائرة العلم لذلك قيل : العلم نور و الجهل ظلام
فعندما اعرف اسباب حذوث الاشياء و قوانينها يمكنني ان اتحكم فيها و احولها لصالحي
مثل معرفة قانون الجاذبية او قانون السرعة او التجمد او الوراثة او الذكاء او قوانين تقوية الذاكرة.. فكل هذا يجعلني اكثر حرية
لذلك يوكد زعيم الفلسفة الشخصانية ان كل حتمية يكتشفها الانسان تعتبر نوتة تضاف إلى سلم انغام حريتنا
نقد خصوم الاطروحة : يزعم بعض الفلاسفة امثال ديكارت و برغسون و سارتر ان الحرية صفة فطرية تولد مع الانسان و هي مرادفة لوجوده تدرك حدسيا بشكل بديهي لذلك فالانسان يولد و يوجد حرا
نقدهم : لكن الشعور بالحرية لا يعتبر دليلا كافيا على اننا احرار. فقد تنوهم ذلك فقط في حين اننا نولد مقيدين دون ان ندري. لذلك انتقد اسبينوزا حجة ديكارت و اعتبر ان الشعور بااحرية مجرد وهم و خيال اذ يقول : لو كان للحجر شعور لاعتقد انه حر في سقوطه. اذن فدليل ديكارت و غيره دليل ميتافيزيقي ليس له ما يبرره. كما انه لا يمكن اعتبار البداهة اثبات للحرية لان الفكر المعاصر اكد انه لا وجود لشيء بديهي و لا حقيقة بديهية بل الامر مجرد مسلمات يمكن قبولها او رفضها
ثم من غير المنطقي القول ان الانسان يولد حرا.. فهو يولد و لا يعرف اي شيء عن هذا العالم المليء بالقوانين و الحتميات الصارمة. فهو لا يختار لون بشرته و لا صحته و لا اسمه و لا عائلته و لا مجتمعه بل كل هذه الامور تقدم له جاهزة
و لكن عندما يكبر و يتعلم يمكنه التحرر من بعض هذه الحتميات
فيمكنه اجراء عملية تجميلية و يغير شكله و يمكنه تغيير اسمه او حالته او تقاليد مجتمعه اذا كان مصلحا اجتماعيا مثلا
و بالتالي فالحرية تكتسب و لا تقدم جاهزة
فالعلم هو الحرية و التخلص من العبودية
لذلك يقول احد المفكرين : شعب يقرا شعب لا يستعبد و لا يجوع فالعلم قوة و تحرر
حل المشكلة : نستنتج في الاخير ان الاطروحة القائلة بان الحرية تكتسب اطروحة صحيحة و مشررعة و يمكن الدفاع عنها و تبنيها و الاخذ براي مناصريها
فالانسان لا يولد حرا يقدر ما يصير حرا بمرور الوقت بحسب درجة علمه و اجتهاده و عمله
لذلك يدعونا الدين الحنيف إلى طلب العلم و التزود بالمعرفة حتى نوسع دائرة اختياراتنا و الممكنات المتاحة
فالواقع المعاصر اليوم يوكد ان اكثر المجتمعات تحررا هي الاكثر تطورا علميا و ثقافيا و فلسفيا و اجتماعيا
فمثلا الو م ا يمكنها التحرر من الجاذبية و غزو الفضاء و القمر بفضل معرفتها بقوانين الطبيعة آما نحن لاننا اقل علما بالفيزياء فاننا مقيدون بالبقاء في الارض
و قس هذا المثال على مختلف مناحي الحياة فالحرية كسب بعد اجتهاد و ليست فطرة ساعة الميلاد


التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

Philosophie

2016