Philosophie Philosophie

تحليل نص الوجودية


"النص".
 " و هنا لا نستطيع أن نقدم إلا صورة محملة جدا لخصائص هذا المذهب [...]. الوجودية بكل معانيها، تتفق في القول بأن الوجود يسبق الماهية، فماهية الكائن هي ما يحققه فعلا، عن طريق وجوده، ولهذا هو يوجد أولا، ثم تتحدد ماهيته ابتداء من وجوده . و تتفق كذلك في أن الوجود هو في المقام الأول، الوجود الإنساني في مقابل الوجود الموضوعي الذي هو وجود أدوات فحسب، وفي أن هذا الوجود متناه، وسر التناهي فيه هو دخول الزمان في تركيبه [...]
   . و الإنسان الحر يختار وفي اختياره، يقرر نقصانه، لأنه لا يملك تحقيق الممکنات كلها. والذات الوجودية تسعى بين الإمكان - و هو الوجود الماهوي- وبين الواقع وهو الوجود في العالم. والذات تعلو على نفسها بأن تنتقل من الممكن إلى الواقع، فتحقق ما ينطوي عليه، وفي هذا التحقيق تخاطر، لأنها معرضة للنجاح والإخفاق، ومن المخاطرة تولد ضرورة التصميم... ... وفي كلمة ... إن العصب الرئيسي للوجودية هو أنها فلسفة تحيى الوجود، وليست مجرد تفكير في الوجود. والأولى يحياها صاحبها في تجاربه الحية وما يعانيه في صراعه مع الوجود في العالم، أما الثانية، فنظر مجرد إلى الحياة من خارجها وإلى الوجود في موضوعه".
                                                                      "عبد الرحمان بدوي".


ثانيا: مرحلة التحرير:
طرح المشكلة :
 إن ما أفرزه التقدم العلمي في القرن العشرين من تطورات وتقنيات و ابتکارات مادية، صار ينظر معها إلى كل شيء على أنه مادي بما فيه الإنسان، وبالتالي إهمال شبه كلي للذات الإنسانية وقيمتها وأبعادها الروحية، وهذا ما ولد ردود أفعال فلسفية متعددة، تدعوا إلى فهم حقيقة الإنسان، ككائن حي، واع، ذا أبعاد روحية، يختلف جذريا عن بقية الظواهر الجامدة، ومن أهم هذه الفلسفات شهرة، واهتماما بالإنسان: الفلسفة الوجودية، التي حاولت أن تعبر عن حقيقة الإنسان وقيمة وجوده، بل وضعت مصيره بين يديه، يوجهه، ويصنعه كما يشاء، من خلال هذه المعاني حاول « عبد الرحمان بدوي » كمناصر للفلسفة الوجودية إظهار حقيقة هذا الاتجاه، وأهم مميزاته، ونظرة الوجودية للإنسان وعلاقته بالوجود، فكيف عبرت الوجودية عن حقيقة الإنسان؟ وكيف يثبت ويحقق ماهيته؟ وكيف يؤسس علاقته بالوجود (الواقع)؟
في محاولة حل المشكلة:

 موقف صاحب النص:  إن الفلسفة الوجودية حسب ما يراه صاحب النص ترفض الحكم بالصورة المثالية المنبثقة عن الإنسان، وأنه لا توجد طبيعة بشرية تولد مكتملة أو محددة فرضت من الأزل، بل يرون أن هناك إمكان مستمر على الإنسان أن يحققه، وأنه وجود يتولى تحدید و تحقیق ماهيته بنفسه والاعتقاد من جهة أخرى أن الإنسان هو محور الوجود، والمعبر عن الوجود الفعلي، وأصل الممكنات لأنه كائن الحرية، حيث يقول "بدوي": "... فماهية الكائن هي ما يحققه فعلا عن طريق وجوده..." ويقول:"الوجود هو في المقام الأول الوجود الإنساني، في مقابل الوجود الموضوعي الذي هو وجود أدوات فحسب..."

الحجج:  ويؤ كد، صاحب النص أن زعماء الوجودية جميعهم "كيركيجارد"، "هايدجر"، "جان بول سارتر"... يتفقون حول مبدأ يمثل قاعدة بديهية تبين عليها جميع الفلسفة الوجودية وهي القول: "بالوجود السابق للماهية". أي أن الوجود الإنساني هو وجود ناقص وغير مكتمل وكأنه "مشروع وجود" يسعى لإكمال ذاته وتحديد وصنع ماهيته، باختياره وما يجب أن يكون عليه في المستقبل، "هذا هو يوجد أولا، ثم تتحدد ماهيته ابتداء من وجوده"، وبناء على هذا تتحدد حقيقة الوجود الفعلي والحقيقي عند الوجودية، وذلك بمقابلة الوجود الموضوعي المعبر عن عالم الواقع، والظواهر وما فيه من أشياء وهو وجود کامل ماهیته محددة مسبقا، لذلك فهو وجود لا حول ولا قوة له لأنه خاضع القضاء حتمي ثابت، فهو مجرد أدوات تؤدي وظائف مرسومة مسبقا، بعكس الوجود الفعلي للإنسان، بوصفه موجود الممكنات، الذي يتميز بعدم الاكتمال، وأنه معرض باستمرار للتغيير، والتروع نحو المستقبل رغبة في إكمال ذاته والتعبير عن ماهيته، وكيفية وجوده، لهذا يقول "سارتر": "الإنسان مشروع وجود يحيا ذاتيا، ولا يكون إلا بحسب ما ينويه وما يشرع بفعله، وبهذا الفعل الحر الذي يختار به ذاته، يخلق ماهية بنفسه"، ومن هنا يكون الإنسان عند الوجودية مدفوع دائما إلى العمل على أساس حرية الاختيار الدائم، الذي يحدد من خلاله قيمة وجوده الممكنة، وهذا يقتضي تحمل المسؤولية الكاملة عن هذا الاختيار وما يترتب عليه من قلق، وحيرة ومخاطرة، لأنه اختیار معرض للنجاح أو الإخفاق فالإنسان يعمل على خلق ماهيته بنفسه، ويخاطر في هذا السبيل بكل شيء، ويبدع معاييره ابتداء م ن ذاته، وفق حرية مطلقة. و بناء على هذا يؤكد "عبد الرحمان بدوي" أن الوجودية فلسفة تجعل الإنسان يعيش وجوده في أعماقه من خلال تجربته الشعورية التي يحياها ويعيشها في الواقع، كتجربة وجودية واعية، معبرة عن صميم الوجدان، والانفعال وما نواجهه من معاناة وصراع وقلق في هذا الوجود الموضوعي، وبهذا تختلف الوجودية عن الفلسفات التأملية التي تقف عند حدود التفكير في الوجود والتأمل في صورته دون إدراك حقيقته.

 النقد: لكن برغم ما قدمته الوجودية من اهتمام بالإنسان، والارتقاء بقيمة وجوده الواقعي، والتعبير عن ماهيته وصناعتها بإرادته من خلال تجاربه الفعلية التي يعيشها، إلا أنهما من ناحية أخرى جعلته كائنا لا يسعد أبدا من خلال القلق والضيق والتشاؤم المستمر الذي يحكم مشروعه، كما أن حريته حسب الوجودية مخاطرة متمردة على جميع القوانين والأشياء، ولا تعترف بأي شيء يسندها ويوجهها، وهذا مخالف لكل القوانين الكونية، لأنه محال أن يقوم کائن بذاته ويخلق ماهيته بلا سند من أحد، فهو نوع من التأليه للإنسان، إضافة إلى أن الوجود الموضوعي الذي تعتبره الوجودية مجرد أدوات كثيرا ما ألهم الإنسان وكان مصدر إبداعه وإثبات ذاته في الكثير من الميادين وهذا ما يعبر عن التكامل والانسجام بين الوجودين ولا تناقض بينهما.
 حل المشكلة: إن الوجودية عبرت عن قيمة الإنسان، وماهية الحقيقة كجوهر للوجود، لأنه ليس موضوعا كباقي الموضوعات، إنما هو كائن الحرية، يختار نفسه وماهيته بنفسه، تحرکه وتلزمه تلقائية الشعور وحدها ولا شيء غير ذلك، لهذا كان وجوده الفعلي هو التعبير عن أعماقه، والتمرد على واقع الأشياء كلها.

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

Philosophie

2016